تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

كلمة السيد راشيد الطالبي العلمي رئيس مجلس النواب في اجتماع قمة رؤساء البرلمانات الأعضاء في الجمعية البرلمانية للاتحاد من أجل المتوسط

السيدة الرئيسة   Francina Armengol Socias 

رئيسة مجلس النواب بالمملكة الإسبانية،

السيد JAVIER IGNACIO MAROTO ARANZÁBAL، النائب الأول لرئيس مجلس الشيوخ بالمملكة الإسبانية،

السيدات والسادة رؤساء المجالس التشريعية الأعضاء في الجمعية البرلمانية للاتحاد من أجل المتوسط،

السيدات والسادة،

 

يشرفني أن أشارك اليوم من جديد في هذه القمة البرلمانية التي تحتضنها هذه المدينة الأصيلة التي تمثل، وبامتياز، الثقافة المتوسطية، وتجسد الإرث المتوسطي المتنوع، الغني والمنفتح. إنها مالقا، أحد المراكز الحضارية المضيئة حيث يلتقي الغرب والشرق والشمال والجنوب في جغرافيتها، وفي أفقها المفتوح.

وإذ أشكركما، السيدة الرئيسة Francina والسيدَ الرئيس Pedro، على دعوتكما الكريمة، وعلى ما وفرته السلطات التشريعية والتنفيذية الإسبانية من شروط مريحة لتنظيم الدورة 18 لجمعيتنا البرلمانية والدورة التاسعة لقمة الرؤساء، أثني على اختياركم هذه المدينةَ العريقة المُطِلةَ على شواطئ المغرب لاحتضان هذه الاجتماعات، حتى إنَّ المغْربيَّ الجالسَ بينكم، هُنَا والآن، في هذه القاعة، يمكنه أن يُطِلَّ من هنا على طنجة أو تطوان فيُحِسَّ، في قلبه وعقله، بمعنى حُسْنِ الجوار، وروح الصداقة التي تجمع بلدينا وشعبينا وتوحد أفقَيْنا معًا.

والأمل أن تكون مداولاتنا في هذه المدينة منطلقا لمسيرة جديدة لجمعيتنا البرلمانية. أقول ذلك وأنا أتذكر أن مالقا هي التي احتضنت منذ ثلاثة وثلاثين عاما بالتمام والكمال، أي في يونيو 1992، المؤتمر البرلماني الأول حول الأمن والتعاون في منطقة حوض المتوسط، Conférence sur la Sécurité et la Coopération en Méditerranée (CSCM)  في إطار الاتحاد البرلماني الدولي، والذي تطور حتى تحول في 2006 في عَمَّان إلى جمعية برلمانية تحمل اليوم اسم "برلمان البحر الأبيض المتوسط"، الذي يلتقي في أهدافه مع الجمعية البرلمانية للاتحاد من أجل المتوسط المنبثقة في 2004 عن المنتدى البرلماني الأرومتوسطي.

أقول هذا وأنا أتمثل حجم التحديات والمعضلات التي تواجهها المنطقة الأورومتوسطية، والأوضاع الدولية المفتوحة على كل التداعيات والاحتمالات المقلقة، وأستحضرُ مركزيةَ قضايا، ونزاعات، وأزمات الحوض الأرومتوسطي في النظام الدولي.

وبعد أن سَادَ الاعتقاد بأن العالم وَلَجَ عهدًا جديدًا من التعايش، وأنه وَدَّع الحربَ الباردة والثنائية القطبية، وأن منطقتنا المتوسطية باتت على أعتاب سلام تاريخي مع مؤتمر مدريد، واتفاقات أوسلو، عاد منطق الحرب، وأساليب العنف والعنف المضاد، وطَفَتْ على السطح الضغائنُ كاتِمةُ الصورة، للأسف، لتَجْثُمَ على شرق المتوسط، عَاصِفَة بكل مكاسب السلم والتفاوض والحوار.

الزميلات والزملاء،

لطالما شَخَّصْنَا في خطاباتنا ومباحثاتنا، وفي الوثائقَ الصادرة عن جمعيتنا البرلمانية التحديات التي تواجه منطقتنا ومعضلاتها : النزاعات والحروب، في شرق المتوسط وفي خلفيته، والهجرات واللجوء، والاختلالات المناخية، وأزمة الطاقة، والغداء والهوة بين الشمال والجنوب من حيث الثروات والتكنولوجيا.

وفي دورة جمعيتنا الثامنة عشر 18، وسنة تأسيسها الواحدة والعشرين، نجد أنفسنا، كمؤسسات، ودول، وشعوب، وكرأي عام، وأساسًا كنخب، أمام وضع متفجر، على عدة جبهات مع كل الكلفة البشرية والاقتصادية والسياسية والمالية المترتبة عن هكذا وضع.

واسمحوا لي، الزميلات والزملاء، أن أذكر وبمرارة وأسف، بأن من يدفع ثمن هذه الأوضاع المتدهورة هي الشعوب، وبأن الضحية الأكبر لذلك، هو الشعب الفلسطيني، وبأن أصل معضلات المنطقة هو القضية الفلسطينية، والصراع الإسرائيلي الفلسطيني. ومُؤَدَّى ذلك أن المدخل إلى تسوية مشكلات المنطقة، هو وقف الحرب في غزة أساسا، وهي أولوية عاجلة كما ظل يؤكد على ذلك صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله رئيس لجنة القدس ؛ مدخل إلى أفق سياسي كفيل بإقرار سلام عادل ودائم في المنطقة، وجوهره حل الدولتين، بما يقطع الطريق على التطرف، وعلى استغلال النزاعات من أجل مصالح قُطْرية، وبما يفتح الطريق للتعايش والتعاون والتنمية المشتركة، وتوجيه مُقَدَّرَات وثروات المنطقة نحو التنمية والازدهار والحياة الكريمة.

والواقع أنه دون تمكين الشعب الفلسطيني بقيادة مؤسساته المعترف بها دوليا من حقوقه المشروعة في الاستقلال وبناء دولته الوطنية المستقلة وفق قرارات الشرعية الدولية، فإن المنطقة ستظل رهينة العنف والتعصب والتشدد وعدم الاستقرار. ومخطئ من يعتقد أن التداعيات الاستراتيجية والاقتصادية ستظل حبيسة المنطقة. فالأمر يتعلق بإقليم، بمثابة شريان من شرايين الاقتصاد العالمي بثرواته الاستراتيجية وموقعه وممراته البحرية، مما يجعل استقرار المنطقة يرهن إلى حد كبير الاستقرار الاقتصادي العالمي.

السيدة الرئيسة

الزميلات والزملاء،

اقترحت الرئاسة الاسبانية لجمعيتنا البرلمانية، موضوع قضايا الهجرة محورًا أساسيا في أجندتها. ولا نختلف في أن الحروب والنزاعات والاختلالات المناخية إلى جانب ضعف التنمية هي الأسباب الرئيسية للهجرات والنزوح واللجوء، مع الكلفة الإنسانية والاجتماعية لذلك على المجتمعات مصدر الهجرة كما بلدان العبور والاستقبال.

وقد سبق لنا في الدورات العامة للجمعية وكما مستوى أجهزتها وفي أطر قمة الرؤساء، وخصوصًا خلال منتدى غرناطة الأخير، أن شَخَّصْنا أسباب الظاهرة، ومنها بالإضافة إلى ما ذكرت، وجود طلب متزايد على الهجرة النظامية والحاجة إليها في بلدان الاستقبال، فضلا عن الطبيعة التاريخية لهذه الظاهرة.

وكمشرعين ونخب ينبغي لنا أن نعمل على تصحيح التمثلات الخاطئة عن الهجرة، نسبتها وعلاقتها ببعض المشكلات الاجتماعية في بلدان الاستقبال، والحرص على عدم توظيفها في التدافع السياسي في هذه البلدان، وأن نقدر دورها في تنمية بلدان الاستقبال.

وفي ما يخص تدبير الهجرات، ومع ضرورة العمل على التوجه إلى جذور الظاهرة واسبابها في البلدان الاصلية، ينبغي أن نقدر أدوار بلدان العبور والكلفة التي يتطلبها هذا التدبير.

في هذا الصدد، اجدد التذكير بالتعاون النموذجي والتنسيق المحكم بين المملكتين المغربية والاسبانية، في تدبير تدفق المهاجرين من مختلف بلدان الجنوب، وفق رؤية انسانية حقوقية.

الزميلات والزملاء،

ينبغي لنا، نحن رؤساء البرلمانات الأرومتوسطية، أمام التحديات الكبيرة التي تواجهها منطقتنا والعالم، أن نتذكر ونتمثل تاريخ هذا الحوض، واسهامه الحاسم في بناء الحضارة البشرية، وكيف كان دوما أرض القيم والفكر والتضامن وحب الحياة والحرية والمبادلات والتنقلات والهجرات.

في الختام أود أن اثني على ما قامت به الرئاسة الاسبانية لجمعيتنا البرلمانية في شخص الزميلة  Francina والزميل. Pedro 

وليس ذلك بغريب عن بلد متوسطي يفخر بهذا الانتماء، بَلَدٌ ملتزم بالسلم والتضامن واحترام الآخر.

ومن جهة أخرى أهني الزميل الدكتور حنفي جبالي، رئيس مجلس النواب بجمهورية مصر العربية الذي سيتولى الرئاسة الدورية لجمعيتنا مجددا التعبير عن اطمئناني على مستقبلها ما دام سيكون على رأسها شخصية من نخب بلد شقيق عريق يضطلع بدور إقليمي وقاري وازن.